كلمة شيخ الإسلام الدكتور محمد طاهر القادري حول فيروس (كورونا)

مورخہ: 14 مارس 2020ء

• يجب على الناس الاهتمام بالتوجيهات الحكومية لمنع تفشي فيروس (كورونا)
• يقوم بعض الناس بالخلط بين مفهوم "التدبير" و"التقدير" بسبب قلة المعرفة
• منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس من التفاعل بينهم، ودخول المناطق المتضررة بالوباء والخروج منها

لاهور (14 مارس 2020م) ألقى شيخ الإسلام الدكتور محمد طاهر القادري زعيم منظمة منهاج القرآن الدولية كلمة حول فيروس (كورونا) عبر رابط الفيديو في اجتماع مجلس الشورى، ونص الكلمة فيما يلي:

قد تضرر العالم كله بفيروس (كورونا) بشكل كبير، ووصفته منظمة الصحة العالمية بأنه وباء عالمي، ويجب الاهتمام بتوصيات وإرشادات وتعليمات وتحذيرات وقائية صادرة عن منظمات الصحة الوطنية والعالمية للوقاية من الإصابة بفيروس (كورونا) بشكل تام. وهنا أود أن أنقل إليكم جميعاً التعليمات المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية حول هذا الوباء القاتل، وتجدر الإشارة إلى أن 10 من الأوبئة القاتلة انتشرت في التاريخ الإنساني قبل انتشار وباء فيروس (كورونا)، وكان منها الطاعون المعروف بـ(Plague). وهناك بعض المسؤوليات والإجراءات التي يجب اتخاذها من قبل الحكومات المختلفة من ناحية، ومن ناحية أخرى تقع بعض المسؤوليات الاجتماعية على كتف عامة الناس بسبب انتشار هذا الوباء أيضًا حيث يجب على كل فرد من أفراد المجتمع القيام بأداء مسؤوليته الاجتماعية، وتلعب كل عائلة من عائلات في الشعوب الاجتماعية دورًا اجتماعيًا في الوقت العصيب الذي يمر به العالم كله بسبب تفشي فيروس (كورونا). ويجب علينا أن نعلم أنّ فيروس (كورونا) وباء له خطورة كبيرة، وليس هو وباءًا تقليديًّا يتم التعامل بمكافحته بأسلوب تقليدي، ولا أرغب في بيان تفاصيل الإجراءات الاحترازية اللازمة التي سمتعموها عدّة مرات عبر مختلف وسائل الإعلام سوى ترسيخ حساسية وباء فيروس (كورونا) في الأذهان بأن كلّ فرد يجب عليه الاهتمام بغسل اليدين بالماء والصّابون، ويعتبر ذلك إجراء أول من الإجراءات الوقائية في هذا الشأن حيث تستمر عملية غسل اليدين لفترة 20 ثانية على الأقل في وقت واحد، وهذه حاجة ماسة لوقاية مصاب وآخرين من هذا الوباء القاتل، ويجب وضع منديل ورقي أو قطعة من القماش في حالة الكحة والعطس لكي لا تنتشر جراثيم الوباء في الفضاء، وتجنب لمس الفم والأنف والعيون والوجه في حالة عدم غسل اليدين حيث ينتقل فيروس (كورونا) إلى جسد الإنسان عبر الفم والأنف والعيون، وتجنب لمس آخرين في حالة زكام ونزلة برد وحمى، ويجب البقاء في المنزل، وفي خلال ذلك الاهتمام بعدم المصافحة والمعانقة، وتجنب الاجتماعات بما فيها اجتماعات صلاة الجمعة، واجتماعات سياسية واجتماعية أخرى أيضًا حتى داخل البيوت وخلال التفاعل مع أفراد العائلة. ويجب عدم تجاهل هذه التعليمات والتوصيات للإجراءات الاحترازية، ولكن في الوقت نفسه يجب عدم الخوف في هذا الشأن، وأما من يتجاهل خطوات احترازية وفكرة "التدبير" فهو غير مرغوب فيه عند الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وليس تجاهل الخطوات الاحترازية والتدبير عبارة عن فكرة التوكّل على الله تعالى، ولا علاقة لها بـ "التقدير". وأنّ فكرتين "التدبير" و"التقدير" موضوعان مختلفان، وأن عملية اتخاذ إجراءات احترازية مختلفة من فكرة التوكّل على الله عز وجل، ويقوم البعض بالخلط بين هاتين الفكرتين، وأصدر الله عز وجل ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أوامر لاتخاذ إجراءات احترازية وتبني "التدبير" للوقاية من الأمراض والأوبئة بشكل قاطع، ويجب إنهاء التفاعل الجسدي على المستوى الواسع أو المحدود نظرًا إلى هذه الحالة الطارئة الراهنة التي يمر بها العالم كله، وأيضاً يجب البقاء في البيوت وعدم القيام برحلات غير ضرورية نظرًا إلى أنّ السّفر سواء كان بالقطار أو التّاكسي أو أي وسيلة من وسائل النقل الاجتماعية قد يؤدي إلى نقل فيروس من شخص إلى آخر، وأمّا فيروس (كورونا) فيمكن أن ينتقل من شخص إلى آخر في وقت محدّد حتى ولو كان متواجدًا على أي خشب حيث يمكن أن ينتقل من خشب، وكرسي، وطاولة أو أشياء أخرى إلى آخرين، وليس لديه قدرة على أن يتنقل إلى آخرين مباشرة بل بإمكانه أن ينتقل إليهم بصفة غير مباشرة أيضًا، ولذا يجب تنظيف مكان الجلوس وكافة الأشياء التي يحتاج إليها الإنسان كل يوم بشكل تام أيضًا، وأنّ أهم من ذلك هو تنظيف اليدين، ويجب على كل فرد اتخاذ الإجراءات الاحترازية للوقاية من فيروس (كورونا)، ويجب على كافة أعضاء منظمة منهاج القرآن العالمية ومنسوبيها في العالم الاهتمام باتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة المذكورة أعلاه مهتمّين بأداء مسؤولياتهم الاجتماعية والوطنية والتنظيمية والتجنّب من تجاهلها، ويجب عليهم نقل هذه الرّسالة الهامّة إلى كافة أفراد عائلاتهم وأقربائهم وأصدقائهم أيضًا نظرًا إلى أنّ عملية نقل هذه الرسالة تعتبر أداء مسؤولية وطنية ودينية واجتماعية. ويجب أن يتم الاهتمام بتنفيذ هذه التعليمات والتوصيات في المدارس والكليات والجامعات والمحافل المحلية، وأيضًا يجب عليهم الاهتمام بكافة التعليمات والإرشادات والتوصيات الصادرة عن الحكومات ومؤسساتها، والوقوف بجانبها في تعزيز الحملة التي بدأتها الحكومات المختلفة لمكافحة فيروس (كورونا) بهدف إلى حماية البلاد والمجتمعات والإنسانية كلّها. وتصلنا حملة التوعية بهذا الفيروس عبر العلوم الحديثة ووسائل الإعلام الحديثة، وتصدر منظمة الصحة العالمية تعليمات وتوصيات، ويقوم الأطباء بأداء واجباتهم في هذا الشأن أيضًا، وبصفة مسلمين لدينا اعتقاد بأن تعليمات النّبي صلى الله عليه وآله وسلم أكبر ينابيع الهداية والتوعية. وفي الماضي انتشر وباء الطاعون أحد الفيروسات القاتلة التي أدّت إلى وفاة آلاف الناس في العالم، ويشهد التاريخ بأن مثل هذا الوباء انتشر في المجتمعات المختلفة ولم تكن التوعية بذلك، ولم يكن التطور في علوم الطب في الماضي، ولم يتم الاهتمام باتخاذ إجراءات احترازية أيضًا ممّا أدى إلى وفاة آلاف من الناس. وورد باب بعنوان الطب في صحيح البخاري ويتضمن هذا الباب موضوع الطاعون في رقم الحديث (5396) حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَدْخُلُوهَا. وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا» [أخرجه البخاري في الصحيح، كِتَابُ الطِّبِّ، بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ، 5/2163، الرقم/5396.]. ومفهومه هو: إذا سمعتم عن دولة، ومدينة، ومنطقة انتشر فيها وباء الطاعون فامتنعوا من الدخول فيها، ولا تخرجوا منها، وفي ذلك الوقت لم تكن معامل الفحوص الطبية للمعرفة عن وجود أثر الوباء في شخص ما، ولذا أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن إجراءات احترازية تمّ توثيقها من قبل العلوم الحديثة في عصرنا الحاضر وهو منع السفر إلى منطقة ودولة متضرّرة والخروج منها لكي تتم وقاية أهاليها من الوباء المنتشر الضار. والطاعون مرض ينتشر من شخص إلى آخر ولكن يتم منع التفاعل في كلتا الصورتين أي دخول المنطقة المتضرّرة والخروج منها، ورُوي هذا الحديث في الصّحيح لمسلم أيضًا برقم (2218) حيث روى سيدنا حبيب رضي الله عنه: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ، فَبَلَغَنِي أَنَّ الطَّاعُونَ قَدْ وَقَعَ بِالْكُوفَةِ، فَقَالَ لِي عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «إِذَا كُنْتَ بِأَرْضٍ فَوَقَعَ بِهَا، فَلَا تَخْرُجْ مِنْهَا. وَإِذَا بَلَغَكَ أَنَّهُ بِأَرْضٍ، فَلَا تَدْخُلْهَا» [أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب السلام، بَابُ الطَّاعُونِ وَالطِّيَرَةِ وَالْكَهَانَةِ وَنَحْوِهَا، 4/1739، الرقم/2218.]. ومفهومه هو: لو كنتم في منطقة أو دولة انتشر فيها وباء فعليكم عدم الخروج منها لكي لا تأتوا بجراثيم الوباء إلى مكان آخر، ولو وصلكم الخبر بأن الوباء منتشر في منطقة أو دولة وكنتم خارج تلك المنطقة فعليكم عدم الدخول فيها، وهناك رواية أخرى في الصحيح لمسلم: فَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا، وَإِذَا بَلَغَكُمْ أَنَّهُ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا» [أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب السلام، بَابُ الطَّاعُونِ وَالطِّيَرَةِ وَالْكَهَانَةِ وَنَحْوِهَا، 4/1739، الرقم/2218.]. ومفهومها هو: لو انتشر الوباء في منطقة وأنتم متواجدون فيها فلا تغادروها وإلا تذهبون بذلك الوباء إلى مناطق أخرى.

ويجب علينا جميعاً الاهتمام بتنفيذ التعليمات والتوصيات التي أعطانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم إياها لمنع انتشار أوبئة متفشية بشكل تام. والآن يتم وضع شخص تظهر فيها أعراض فيروس (كورونا) في غرفة العزل التي يُطلق عليها اسم (quarantine) المعروفة بـ: "قرنطينة"، وتتم معالجة المصاب بفيروس (كورونا) عبر وضعه في مكان منعزل حتّى يشفى بشكل تام. وأخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن فكرة طبية جديدة لوضع مصاب في مكان منعزل وعدم تفاعله بآخرين، واتخاذ إجراءات احترازية قبل 1400 هجرية، والآن نرى أنّ الدول المتقدمة المتضرّرة بفيروس (كورونا) بما فيها الصّين مهتمّة باتخاذ هذه الإجراءات الاحترازية، وفي حديث الصحيح لمسلم الذي يفيد بأن الدخول في دولة متضررة والخروج منها ممنوع، ولو خرج منها أحد فيجب عليه وضع نفسه في غرفة العزل والحجر الصحي، ولا يتفاعل مع آخرين حتّى ينتهي الوباء، ويُفهم من هنا بأن الخروج من المنطقة المتضرّرة مسموح به في حالة الاهتمام بالبقاء في غرفة العزل التي تُعرف بـ: (quarantine) في العصر الحديث، وهنا أود أن أنقل الحديث النبوي الآخر الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه برقم (5771) عن سيدنا أبو سلمى عن أبي هريرة حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لَا يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ [أخرجه البخاري في الصحيح، كِتَابُ الطِّبِّ، بَابُ لاَ هَامَةَ، 5/2177، الرقم/5437.]. ومفهومه هو: لو أصاب أحدكم مرض أو وباء قد ينتشر منه إلى غيره فامتنع من الاقتراب من شخص سليم أو لا يقترب شخص سليم إلى مصاب، ويجب ألا يكون القيام بالمعانقة أو التفاعل الجسدي، ويُفهم من هنا بأنه من الضروري أن يتم الاجتناب من المصافحة، والاقتراب الجسدي، والمعانقة، ويشمل ذلك كافة الإجراءات الاحترازية بما فيها تجنب اجتماعات صلاة الجمعة، واجتماعات سياسية واجتماعية، فهذه هي التعليمات النبوية التي يجب الاهتمام بها، ولو قام أحد بتفسير هذه التعليمات بأسلوب آخر لقام ذلك بسبب عدم المعرفة. ويعتبر اتخاذ الإجراءات الاحترازية ضمن التعليمات النبوية، واعتبر المحدّثون معنى آخر لكلمة "ممرض" أي شخص لديه أجمال وشياه، وأبقار وجواميس وأنعام مصابين، ومن المحتمل أن ينتقل المرض إلى أنعام آخرين، وتم منع اقتراب أنعام مصابين إلى أنعام سليمين لكي لا تلحق أضرارا بالأنعام السليمة. ويصل لبن أنعام مصابين إلى عامة الناس، وبناء عليه ينتقل أثر المرض إلى آخرين، ونتيجة لذلك ينتشر المرض في أماكن مختلفة. وأيضًا يراد بـكلمة "ممرض" شخص مصاب بأمراض متفشية وقد ينتقل مرضه إلى آخرين، ويجب على هؤلاء المرضى عدم التفاعل الجسدي مع غيرهم أو القيام بأي نوع من المعانقة أو الاقتراب إليهم. وفي حديث آخر الذي ورد في الصحيحين البخاري ومسلم يفيد بأن المصاب بمرض متفش سواء كان من الناس أو من الحيوانات يجب عليه عدم التفاعل مع الناس السليمين نظرًا إلى أن المرض قد ينتقل من مكان إلى آخر، وأيضًا هناك حديث آخر ورد في صحيح البخاري عن الجزام الذي يعتبر مرضًا ينتشر بسبب كثرة التّفاعل بين الناس برقم (5707) حيث قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وَفِرَّ مِنَ المَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ» [أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب الطِّبِّ، باب الإثمد والكحل من الرمد فيه عن أم عطية، 5/2158، الرقم/5380.]. والسبب وراء ذلك بأن قضاء الوقت في صحبة المجزوم قد يؤدي إلى نقل الجزام إلى غيره، ولذا يجب الفرار من المصاب بالجزام، وهناك حديث آخر ورد في الصحيح لمسلم، ومفهومه هو: جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفد من منطقة ثقيف المجاورة للطائف وكان يريد المبايعة على يده، وتم توفير الإقامة له في مكان وأخبِر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن أحد أعضاء الوفد مصاب بالجزام، وأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شخصًا إلى الوفد وقال: «إنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ، فَارْجِعْ» [أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب السلام، باب اجتناب المجذوم ونحوه، 4/1752، الرقم/2231.]. أي: أخبِره بأننا بايعناه وأقبلنا مبادرته تجاه دخول الإسلام ولذا يجب عليهم العودة نظرًا إلى حماية عدد كبير من الناس الذين يأتون إلى المسجد النبوي ويجلسون في اجتماعات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس وصفة طبية مفيدة للغاية عبر إصدار تعليمات لتبني إجراءات احترازية في هذا الشأن، وتظل هذه التعليمات توصيات مفيدة للإنسانية حتى يوم القيامة. ووردت كلمات في حديث مسند الإمام أحمد بن حنبل: «ائْتِهِ، فَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ بَايَعْتُهُ، فَلْيَرْجِعْ» [أخرجه أحمد بن حنبل في المسند، 4/389، الرقم/19486.]، تفيد: أخبِرهم بأننا قمنا بالمبايعة لهم ولذا إرجعوا، ووردت كلمات مماثلة في سنن النسائي أيضًا: «أَنِ ارْجِعْ فَقَدْ بَايَعْنَاكَ» [أخرجه النسائي في السنن الكبرى، كِتَابُ الطِّبِّ، باب المجذوم،4/375، الرقم/7590.]، المراد بالمبايعة قصد، فلذا يمكن القول بأنهم إذا أرادوا فدخلوا الإسلام، وأن المصافحة والمعانقة ليست شرطًا من شروط المبايعة، يعنى لم يسمح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لشخص مصاب بمرض متفشّ بالحضور في اجتماعه. فهذا هو تدبير واضح لنا للوقاية من المرض، والاهتمام بذلك عبارة عن الاهتمام بإحياء سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وفي الختام أذكر قصة مفيدة للغاية ذُكرت في الصحيحين البخاري ومسلم: ومفهومها هو: ذهب سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه بوفد إلى الشام لمساعدة وفد أبي عبيدة الجراح رضي الله عنه والمسلمين، ولما وصل الوفد إلى منطقة "سرغ" وكان أبوعبيدة الجراح رضي الله عنه وقادة جيش المسلمين في استقبالهم وأخبروا سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه عن انتشار الطاعون في بلاد الشام، فوقف سيدنا عمر الفاروق بالوفد هناك، وأن كبار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين لديهم آراء مختلفة حول قضية دخول بلاد الشام، فطلب كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين بينهم الأنصار والمهاجرون والقريش لإجراء التشاور في هذا الشأن حيث قال بعض الصحابة الكرام إننا جئنا للهدف العظيم ولذا يجب تحقيقه عبر دخول بلاد الشام، وقال البعض يجب علينا العودة إلى المدينة، وأن الطبائع مختلفة حيث تسيطر المشاعر العاطفية على طبائع البعض، وأما البعض الآخرون فيسيطر عليهم العقل والهدوء، فمن الذين سيطرت عليهم مشاعر عاطفية ذهبوا إلى الموقف قائلين: إننا خرجنا لهدف محدد ولذا يجب تحقيقه على كل حال من الأحوال، ولذا يجب علينا دخول بلاد الشام، ومن الذين سيطر عليهم العقل فذهبوا إلى القول: لا ندخل أرض بلاد الشام المتضررة بالوباء بصحبة كبار الصحابة الكرام وآخرين سليمين نظرًا إلى أن الدخول ليس ملائمًا لصحة هؤلاء كبار الصحابة الكرام. فظهر الموقفان عبر إجراء التشاور حيث ذهب البعض إلى القول بأن الناس السليمين يجب أن لا يتم خلطهم بالمصابين، وذهب البعض الآخرون إلى القول إنه من الضروري أن يتم تحقيق الغاية العظيمة التي من أجلها وصلنا هنا، ثم طلب سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه القريش الذين أصبحوا مهاجرين عند فتح مكة لإجراء التشاور فقال الجميع بأن لدينا رأي متفق عليه هو عدم دخول بلاد الشام والعودة إلى المدينة نظرًا إلى أن دخول هؤلاء الصحابة الكرام والمسلمين في بلاد الشام المتضررة بالوباء ليس أمرًا ملائمًا، فأصدر سيدنا عمر الفاروق قراره في أعقاب إجراء عملية التشاور بينهم بشأن العودة إلى المدينة، حيث قال: إِنِّي مُصَبِّحٌ عَلَى ظَهْرٍ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ؛ ومفهومه هو: أنني أرجع إلى المدينة صباحًا، ولذا يجب على الجميع إعداد رحالته، ولما أعلن سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه قراره وموعد المغادرة فسيطرت مشاعر عاطفية على رئيس القادة سيدنا أبي عبيدة الجراح وسأل سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه أمير المؤمنين قائلاً: أفرارًا من قدر الله؟ فأجاب سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه: لو غيرك يقول هذا، نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله … يعنى أن وصول الوباء في بلاد الشام وإصابة الناس به قدر من الله تعالى، وإعادة الذين رافقوني إلى المدينة وقايةَ من الوباء قدر من الله تعالى أيضًا. والقدر أي معرفة الله تعالى يعنى وصول الوباء من معرفة الله تعالى، وأمّا الذين رافقوني فوقايتهم من الوباء وإعادتهم إلى المدينة من معرفة الله تعالى أيضًا، وفي بعض الأحيان لو نجح التدبير لأصبح ذلك قدرًا، وأن الله تعالى عالم الغيب، ولديه معرفة حقيقية. وفي أعقاب إجابة سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه عن ذلك جاء سيدنا عبد الرحمن بن عوف إلى ذلك المكان، ولما عرف كل ذلك فقال: يا أمير المؤمنين! عندي بعض المعلومات في هذا الشأن، وقال أمير المؤمنين: قل ما لديك، فقال سيدنا عبد الرحمن بن عوف: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ [أخرجه البخاري في الصحیح، كِتَابُ الطِّبِّ، باب ما يذكر في الطاعون، 5/2163، الرقم/5397؛ ومسلم في الصحيح، كتاب السلام، باب الطاعون والطيرة والكهانة ونحوها، 4/1740، الرقم/2219.]؛ أي: عندما سمعتم بأن وباء وصل إلى منطقة فلا تدخلوا فيها، ولو انتشر وباء في منطقة وأنتم متواجدون فيها فلا تخرجوا منها.

داعياً المولى عز وجل أن يحمينا من كل آفة وبلاء ووباء، ويجب على الجميع الاهتمام بتلاوة سورة الفاتحة 100 مرة يوميًّا مع القيام بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم 11 مرة قبل تلاوة سورة الفاتحة وبعدها. ومن لديه وقت ضيق يمكن له الاهتمام بتلاوة سورة الفاتحة 40 مرة فقط، فتلاوة سورة الفاتحة فيها الشفاء حيث يتم بها إنهاء كل بليّة من البلايا سوى الموت.

تعليق

البحث

Ijazat Chains of Authority
Top